الاثنين، 16 مارس 2015

محبة العطاء بسخاء



كان شابا ً مسيحيا ً طيب القلب ، نشأ فى عائلة متدينة سكنت إحدى قرى محافظة المنيا .. و كان مثال الطاعة و الأخلاق الطيبة ، و قد حصل على درجات عالية فى الثانوية العامة أهلته للإلتحاق بكلية الطب بالقاهرة ..



كان ذلك فى بداية الخمسينات من القرن الماضى ، و رغم ضيق حال الأسرة و قلة مواردها ، إلا أنهم أصروا أن يسافر إبنهم إلى القاهرة ليكمل دراسته . 
صحبته أخته الكبرى و أستأجرا فى الجيزة حجرة صغيرة يعيشان بها . و إنتظم فى دراسته و كانت الأسرة تقتطع من معيشتها و ترسل لهم ثلاث جنيهات كل شهر للمسكن و الإعاشة علاوة على مصاريف الجامعة ، و كان هذا يمثل عبئا ً على الأسرة و لكنهم كانوا يشكرون الله و ينظرون إلى مستقبل إبنهم ، و هكذا 
كانت معظم عائلات الأقباط فى تعليم أولادهم .
أرتبط بالكنيسة فى الجيزة إرتباطا ً شديدا ً ، إذ وجد فيها كما يقول المزمور " العصفور وجد بيتا و اليمامة عشا لتضع أفراخها .. مذابحك يا رب الجنود .. طوبى للسكان فى بيتك " ، فواظب على القداسات و الإجتماعات . و وجد فى بيت أبنا المتنيح القمص صليب سوريال نعم الأب الحنون فألتصق به إلتصاقا ً عجيبا ً يستشيره فى كل صغيرة و كبيرة ، لا يخطو خطوة واحدة دون أخذ نصيحته الأبوية . مضت شهور و بدأ يتأقلم مع حياته الجديدة فى الجامعة و الكنيسة . و كان كثير الصلاة كثير الشكر .. و كانت حوالة مالية تأتيه كل شهر من الأسرة بالصعيد . 
فى أوائل أحد الشهور إنتظر كعادته أن تصل الحوالة بالبريد فلم تأتى .. إنتظر يومين .. ثم إسبوع .. لا شىء .. الموارد التموينية فى البيت تنقص ، قاربت على النفاذ .. لا يوجد منفذ آخر ، فهو لا يعرف قريب له فى القاهرة و يستحى أن يطلب من أحد شيئا ً فهو خجول جدا ً ، ثم من يعطيه ؟ 
بدأ هو و أخته يقتصدان فى الطعام القليل الباقى عندهم مع مواظبة و إلحاح فى الصلاة و الطلبة . 
ثم نفذ كل ما عندهم تماما .. اصبحا لا يملكا حتى رغيف خبز واحد . فضاق الأمر بالأخت ، و بينما هو خارج فى الصباح فى طريقه إلى الجامعة ،
قالت له: " إعمل حسابك لا ترجع إلى البيت دون أن تتصرف حتى لا نموت جوعا ً " . رفع بصره إلى السماء .. و فى طريقه إلى الجامعة سيرا ً على الأقدام – إذ كان المسكن قريبا ً من الجامعة – إنهمر فى البكاء و هو يصلى و يقول :" أنت تقوت فراخ الغربان التى تدعوك .. أنت تفتح يدك فتشبع كل حى غنى من رضاك ".. ثم صلى المزمور " يستجيب لك الرب فى يوم شدتك " حيث كان يجد عزاءا ً كبيرا ً فى كلماته .
كان متحير ماذا يفعل ؟ و صار يطلب بقلب كسير مشورة الله . 
هل يذهب إلى الجامعة و يسأل أحد زملائه عن سلفة ؟ 
هل يرسل تلغراف إلى أسرته .......و لكن من أين له ثمن التلغراف ؟ 
أخيرا ً خطر على باله أن يذهب إلى أبونا صليب يطلب منه ، إنه أمر محرج جدا و لكن ما هو البديل ؟ وصل و هو فى هذه الأفكار إلى ميدان الجيزة . وقف فى وسط الميدان كمن هو فى مفترق الطرق .. إلى أين يتجه ؟ 
رفع بصره إلى السماء ثانية و دموعه فى عينيه و هو يقول إلى متى يا رب ؟
فلما خفض بصره ، إذ ورقة تطير تدفعها الريح .. طارت الورقة حتى إرتطمت برجله و إلتصقت بالبنطلون .. إنحنى ليزيحها عن رجله ..
و يا للمفاجأة المذهلة للعقل ، بل التى تفوق العقل ، إنها ورقة مالية .. جنيه .. لم يصدق عينيه و كأنه أصابه ذهول إلى لحظة . ربما طار هذا الجنيه من أحد ، أمسك الجنيه بيده ، رفعه إلى فوق لعل الذى طار منه يأتى ليأخذه .. و لكن لم يأتى أحد . ظل واقفا ً رافعا ً يده ممسكا ً بالجنيه إلى دقائق .. لم يقترب إليه أحد ، و هو يكاد يصرخ لقد إستجاب الرب فى الحال بطريقة معجزية . خشى أن يقف أكثر فيقول الناس عنه إنه معتوه . 
شكر الله بعمق رهيب . لم يعد يتحكم فى دموعه ، العبارات فى فمه مكتومة لأن القلب فائض بشكر لا يُعبر عنه . أكمل مسيرته ، إلى أين ؟ إلى الكنيسة ،
"لابد أن أدفع العشور ،" هكذا قال لنفسه . ذهب إلى دكان البقال ، إشترى بعض الضروريات و إتجه إلى الكنيسة ليضع عشرة قروش فى صندوق الكنيسة .
و فيما هو داخل إذ بأبونا صليب فى مقابلته ، رآه على هذه الحال ، إحتضنه بمحبة و سأله " ماذا بك يا إبنى ؟ " 
قص عليه أحواله بالتفصيل إلى أن قال له " و أنا قادم الآن لأدفع العشور " فقال له أبونا " عشور أيه يابنى ، أستبقى لنفسك هذه القليلة إلى أن يأتى الرب بالفرج " و لكنه أصر قائلا ً " يا أبى أرح ضميرى و أسمح لى " . 
تعجب الأب من هذا الإيمان العجيب ، و تركه يفعل ما شاء ، توجه إلى بيته يمجد الله و يحكى لأخته صنيع الرب العجيب ، و من يومها لم يعد الأخ معتازا ً إلى شىء إذ كانت بركة الرب معه . تخرج من كلية الطب و صار و هو طبيب كما كان و هو طالب محبا ً للعطاء بسخاء ، حنونا ً على الفقراء إلى أقصى حد . و قد أدرك الرب هذا الأخ ببركات لا تعد ولا تعد و صنع معه آيات لا حصر لها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لمدونةالطريق الكرب2015